موضوع: مقبره البحر المتوسط الخميس 01 أبريل 2010, 8:19 pm
[size=21]وأنا أركب القارب سيطر علي خوف شديد،فبدأت كل فرائض جسمي ترتعش.أحس صاحب القارب بما أنا فيه،ثم قال:[/size] [size=21]ـ لماذا ترتعد؟؟!. قلت له وأنا أحاول أن أرسم إبتسامة على وجهي: ـ لا....لا،أني أحس فقط بالبرد!. قال: ـ القارب لم ينطلق بعد،فإذا لم تكن قادرا على خوض المغامرة،فأنصحك بالرجوع إلى بيتكم. نظرت إلى{الحراكة} الذين كانوا يتدافعون إلى القارب بكل همة ونشاط ...كانوا يرون في الخلاص...إلى جنة عدن في الضفة المقابلة...كان همهم هو المغادرة بأي وسيلة...ولايهمهم إلى أين!!.هم يعرفون أن المغامرة محفوفة بالمخاطر...ويمكن للأمواج أن تعبث بالقارب كما لو أنه لعبة من ورق...وحتى ولو كتب لهم النجاة،فسيواجهون مصيرا مجهولافي بلد سيتسللون إليه كما يتسلل اللص إلى بيت ليسرقه... فأين مأكلهم؟وأين مشربهم.؟!بل أين مآواهم؟!...سيعيشون هناك حياة شخص متشرد،جائع،هائم،خائف... هذا ماكان يجول في ذهني وأنا أبحث عن مكان في القرب لأجلس فيه...لقد أتخدت القرار قبل أن تطأ رجلي هذه المدينة...وقد أقسمت أنني لأن أعدل عنه...فهو هروب من قدر إلى قدر...وعلى الاقل فهو هروب من حياة قاسية وأليمة ملؤها الفاقة والخصاصة...لقد كرهت روتين العيش الضنك...وآن الآوان لأغيره،لايهمني المصير،وكما يقول المثل{ربحا اولا دبحا}.... أخدت مكاني مكاني في القارب،وكان الجو باردا فعلا....كان ضوء القمريكشف كل شيء....الوجوه الشاحبة،الكئيبة،المتلهفة.....ومشهد البحر المخيف الذي يتراءى لك وكأنه يترقب دتم حذف الكلمهه إلينا ،لينقض علينا،ويقدمنا عشاء لأسماكه... قال صاحب القارب بصوت خشن موجها كلامه إلينا: ـ إذا كان أحدكم لايعرف العوم فأنصحه بأن يغادر القارب،لأنكم تعرفون القوانين...وأنتم لم تدفعوا درهما واحدا قبل أن تطلعوا على قوانيننا.... نعم ...هذه هي القوانين...ماذا تظن الأمر،إنها مغامرة تخضع لقوانينيها،وكل شخص موجود في القارب يدرك ذلك...فإذا كنت لاتعرف العوم فحتما سيصبح البحر مقبرتك...فالقارب يجب أن يفرغ حمولته بعيدا عن الشاطيء،ربما بمئات الأميال،وكل ذلك يجب أن يحدث قبل طلوع الفجر مما يضيف لك تحديا آخر وهو الظلام....لأن الرحلة يجب أن تكون ليلا،حتى نفلت من أعين خفر السواحل،لأن ستار الليل يساعد في حجب الرؤيا...الاتدركون الآن مدى الخطر المحذق بنا ونحن نتأهب لخوض هذه المغامرة؟؟!! أنطلق صوت محرك المركب،فشعرت بخوف رهيب جدا يتسلل إلي...كان كل شيء في داخلي يحثني على القفز من المركب،والركض بعيدا عن الشاطيء،لكنني لم أخضع سوى لصوت العزيمة الصلبة...وكل ماعلي فعله الآن هو أن أستعد لما هو مقبل...فرفعت عيني إلى السماء،ودعوت الله أن تمر الأمور بسلام...وبعد أن أنتهيت من الدعاء كانت رؤيتي للسماء مختلفة هذه المرة...فهناك سحاب كثيف يتجمع في الأفق،ويمتد بإمتداده،نظرت إلى صاحب المركب وقلت له: ـ الم تلاحظ أنه قد تصادفنا عاصفة أثناء الرحلة؟؟!! قال لي بثقة: ـ لقد قضيت نصف عمري أمخر عباب هذا اليم بقاربي هذا...وبحكم تجربتي فإن البحر سيبقى هادئا هذه الليلة ،ولن تكون هناك عاصفة. ثم صمت وعاد يقول بنبرة مختلفة: ـ يبدو لي أنك خائف،فمنذ ان لمحتك وأنت ترتعد،لقد طلبت منك المغادرة قبل أن ننطلق...ومازلت أطلب منك ذلك،فنحن لازلنا قريبين جذا من الشاطيء قلت له بنبرة ملؤها التحدي: ـ ماذا تظنني؟؟!أنا عزمت على القيام بهذه الرحلة ولايهمني العواقب بقدر مايهمني الخلاص. ضحك صاحب القارب وقال بنبرة ساخرة: ـ يعني غير متأكد مائة في المائة من نجاح العبورإلى الضفة الأخرى... ثم وهو يغير من لهجته: ـ إستمع،منذ أن أمتهنت هذه الحرفة لم أتعرض لمشاكل...وجميع الذين ركبوا قاربي سلكوا بنجاح...فإذا كانت لك مخاوف فيجب أن توفرها للمصيرالذي ينتظرك في آروبا. ثم وهو يقول بلهجة صارمة وكأنه يخال نفسه ربان سفينة أو ماشابه: ـ لاتفتح فمك مرة أخرى،فأنا لاأحب الكلام كثيرا... ماذا عساه أن يقول أكثر مماقاله...فالأفظل أن يصمت ،وأصمت...ولما لا،وكل من في القارب صامتين،ومنكمشين في أماكنهم...وبالكاد تسمع شهيقهم وزفيرهم... كان القارب يشق طريقه في البحر بسهولة وإنسياب،وكنت لاتسمع سوى صوت هدير المحرك...وما عدا ذلك،كان كل شيء يرزخ تحت هدوء رهيب،فهل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟؟!!... [/size]